روعة اللحظة
في نهارٍ فكتوريٍ جميل على ضفاف المحيط الهادئ انطلقتُ من مسكني المجاور لمستشفى رويال جوبيلي في أول يوم عمل في هذه الجزيرة الفريدة .
في ذلك الصباح الذي كان فيه كل شيء مبتسماً و في يدي قهوتي الفرنسية التي لا تزال ذاكرتي ترتشف من عبقِها ، قابلت البروفيسور ستيف سوليفان الذي بلغ من العمر قُرابة السبعين عاماً لكنّك ترى فيه القدر العالي من النشاط و الحيوية و الانتاجية التي ربّما لا تجدها عند الكثيرين ممّن يُسمّون أنفسهم شباباً .
التقينا ذلك اليوم مع ثُلّةٍ من الزملاء و الزميلات الذين كانوا يتصبّبون حيويّةً و بهاءً . في لقاء التعارف الأول لنا و لمعرفة خطّة سير العمل في هذا المستشفى افتتح الدكتور سوليفان اللقاء مُعرباً عن شُكرِه لنا جميعاً لاختيارنا هذا المكان لنقضي فيه شهرين من أيام زمالتنا لنعمل و نتعلّم .
من الأمور التي ظلّت راسخة في الذاكرة و لا تمحوها الأيام قوله عن " خلطتي السّريّة " للسعادة فأخذنا نستمع بلهفة له لنتعرّف على مكوّنات هذه الخلطة .
قال : أولاً ، في أوقات العمل اعمل بإخلاصٍ و تفانٍ من أول دقيقةٍ إلى آخر ثانيةٍ في العمل و استمتع بجميع اللحظات الإنسانية التي تخدم فيها مريضك .
ثانياً : في نهاية الإسبوع ، انهض من النوم باكراً ثم اعمل رياضةً تستعيد من خلالها نشاطك و حيويّتك و صفاءك الذهني ( ضرب مِثالاً ، صعود الجبال Hicking , و ركوب الدراجة الهوائية و السير لمسافات طويلة ، أو الاستمتاع بالجِم و السباحة )
ثالثاً : من الأمور التي تجلب لك السعادة هي أن تختار أصدقاءك من خارج مجال عملِك ، فإذا اجتمعتم كانت محاور الحديث متنوّعة و لا علاقة لها في الطب .
رابعاً : اهتم بهِوايةٍ خاصّة فيك لا علاقة لها بمجال عملك ( و ضرب أمثلة من ضمنها ، العزف على الكمان ، لِعب الغولف ، زراعة الورود ...)
خامساً : نوّع قراءاتِك خارج إطار العمل و اهتم بالكتب التي لا تمت لعملِك بصِلةٍ ( و ضرب أمثلةٍ و منها قراءة الإنجيل ، قراءة مسرحية تاجر البندقية لِوليام شكسبير ، و قراءة تاريخ ولاية بريتيش كولومبيا الكندية ...)
سادساً و أخيراً : قال اهتموا بالجوانب التطوّعية الخيرية فأنا دائماً أدعو زملائي و طلبتي إلى الذهاب في رحلات إلى أفريقيا و آسيا لعلاج الضعفاء و المحرومين و هذا مصدر سعادة لا يعلمه إلا من يقوم به .
انتهى كلامُه ، و كانت كلماته مثل النقش في ذاكرتي التي كانت تعُج وقتها بالكتب و المراجع الطّبية كوني كنت على مرمى عصا من اختبارات البورد الكندي و الأمريكي و الذي وفّقني الله لاجتيازهما فيما بعد .
هنا أقدّم وصفتي الغير طبّية لحياةٍ سعيدةٍ هانئةٍ لمن أراد أن يستفيد .
لا تكن أنانياً ، و لتسعَد إذا رأيت كائناً من كان يُحقّق نجاحاً و اعتبر إنجازه كأنك أنت مكانه .
ادعُ بالبركة و التوفيق لكل الناس ، لا تحمل الحقد و ابتعد عن الحسد ، فمُقسّم الأرزاق هو الربّ اللطيف الكريم ،
الإيمان بالقدرِ خيرِهِ و شرّهِ يجلب لك الهدوء و التصالح مع كلّ شيء ، لذلك اعلم أنّ ما أصابك لم يكن لِيُخطئك و ما أخطأكَ لم يكُن لِيصيبك فهذا الأمر يورثك الشعورَ بالرّضا و القناعة و الطّمأنينة .
كُن دائماً مُتفائلاً بأنّ غدٍ أفضل و أنّ الأيام حُبلى بكلّ شيء جميل ، ( أنا عندَ ظنّ عبدي فليظُن عبدي فيني ما يشاء ) ، و كان النبي يُحب الفأل الحسن .
ارجع بالذاكرة لسنواتٍ مضت ، و استعِد شريط الذكريات ، ستجد لحظاتٍ راسخةً في الذاكرة كل ما مرّت عليك ابتسمت و شعُرت بالراحة . ذلك هو عُمرك الحقيقي و هو العمر الذي أنجزت فيهِ لذلك لا تستغرِب إذا رأيت رجلاً يقطع آلاف الأميال و كثيراً من المطارات ليصنع لحظةً جميلةً في حياتِه تبقى في ذاكرتِهِ الملكيّة لِسنين طويلة .
يذهب لجِبال الروكي و يمتطي صهوة الجواد مع المُرشد السياحي ليصطاد البايسون الكندي ، و آخر يذهب إلى ملعب الكامبنو ليحضر كلاسيكو الدُنيا ، و آخر يذهب إلى قمّة شامونيه ليستمتع بلحظات نزول الثلج ، و آخر يذهب إلى مملكة تايلند ليستمتع بعيد السونغكران في شهر أبريل و آخر يستمتع بقطف زهور التوليب و السير في بلومن روت في هولندا في شهر مايو و آخر يستمتع بالشفق القطبي الساحر في ترومسو النرويجية في أواخر شهر سبتمبر .
و آخر يرتشف فنجان قهوة قُبيل الغروب من قلب الرّبع الخالي ، و آخر عينُهُ على جبل فوجي الساحر بينما تتفتح أزهار الكرز و الساكورا .
في ذلك الصباح الذي كان فيه كل شيء مبتسماً و في يدي قهوتي الفرنسية التي لا تزال ذاكرتي ترتشف من عبقِها ، قابلت البروفيسور ستيف سوليفان الذي بلغ من العمر قُرابة السبعين عاماً لكنّك ترى فيه القدر العالي من النشاط و الحيوية و الانتاجية التي ربّما لا تجدها عند الكثيرين ممّن يُسمّون أنفسهم شباباً .
التقينا ذلك اليوم مع ثُلّةٍ من الزملاء و الزميلات الذين كانوا يتصبّبون حيويّةً و بهاءً . في لقاء التعارف الأول لنا و لمعرفة خطّة سير العمل في هذا المستشفى افتتح الدكتور سوليفان اللقاء مُعرباً عن شُكرِه لنا جميعاً لاختيارنا هذا المكان لنقضي فيه شهرين من أيام زمالتنا لنعمل و نتعلّم .
من الأمور التي ظلّت راسخة في الذاكرة و لا تمحوها الأيام قوله عن " خلطتي السّريّة " للسعادة فأخذنا نستمع بلهفة له لنتعرّف على مكوّنات هذه الخلطة .
قال : أولاً ، في أوقات العمل اعمل بإخلاصٍ و تفانٍ من أول دقيقةٍ إلى آخر ثانيةٍ في العمل و استمتع بجميع اللحظات الإنسانية التي تخدم فيها مريضك .
ثانياً : في نهاية الإسبوع ، انهض من النوم باكراً ثم اعمل رياضةً تستعيد من خلالها نشاطك و حيويّتك و صفاءك الذهني ( ضرب مِثالاً ، صعود الجبال Hicking , و ركوب الدراجة الهوائية و السير لمسافات طويلة ، أو الاستمتاع بالجِم و السباحة )
ثالثاً : من الأمور التي تجلب لك السعادة هي أن تختار أصدقاءك من خارج مجال عملِك ، فإذا اجتمعتم كانت محاور الحديث متنوّعة و لا علاقة لها في الطب .
رابعاً : اهتم بهِوايةٍ خاصّة فيك لا علاقة لها بمجال عملك ( و ضرب أمثلة من ضمنها ، العزف على الكمان ، لِعب الغولف ، زراعة الورود ...)
خامساً : نوّع قراءاتِك خارج إطار العمل و اهتم بالكتب التي لا تمت لعملِك بصِلةٍ ( و ضرب أمثلةٍ و منها قراءة الإنجيل ، قراءة مسرحية تاجر البندقية لِوليام شكسبير ، و قراءة تاريخ ولاية بريتيش كولومبيا الكندية ...)
سادساً و أخيراً : قال اهتموا بالجوانب التطوّعية الخيرية فأنا دائماً أدعو زملائي و طلبتي إلى الذهاب في رحلات إلى أفريقيا و آسيا لعلاج الضعفاء و المحرومين و هذا مصدر سعادة لا يعلمه إلا من يقوم به .
انتهى كلامُه ، و كانت كلماته مثل النقش في ذاكرتي التي كانت تعُج وقتها بالكتب و المراجع الطّبية كوني كنت على مرمى عصا من اختبارات البورد الكندي و الأمريكي و الذي وفّقني الله لاجتيازهما فيما بعد .
هنا أقدّم وصفتي الغير طبّية لحياةٍ سعيدةٍ هانئةٍ لمن أراد أن يستفيد .
لا تكن أنانياً ، و لتسعَد إذا رأيت كائناً من كان يُحقّق نجاحاً و اعتبر إنجازه كأنك أنت مكانه .
ادعُ بالبركة و التوفيق لكل الناس ، لا تحمل الحقد و ابتعد عن الحسد ، فمُقسّم الأرزاق هو الربّ اللطيف الكريم ،
الإيمان بالقدرِ خيرِهِ و شرّهِ يجلب لك الهدوء و التصالح مع كلّ شيء ، لذلك اعلم أنّ ما أصابك لم يكن لِيُخطئك و ما أخطأكَ لم يكُن لِيصيبك فهذا الأمر يورثك الشعورَ بالرّضا و القناعة و الطّمأنينة .
كُن دائماً مُتفائلاً بأنّ غدٍ أفضل و أنّ الأيام حُبلى بكلّ شيء جميل ، ( أنا عندَ ظنّ عبدي فليظُن عبدي فيني ما يشاء ) ، و كان النبي يُحب الفأل الحسن .
ارجع بالذاكرة لسنواتٍ مضت ، و استعِد شريط الذكريات ، ستجد لحظاتٍ راسخةً في الذاكرة كل ما مرّت عليك ابتسمت و شعُرت بالراحة . ذلك هو عُمرك الحقيقي و هو العمر الذي أنجزت فيهِ لذلك لا تستغرِب إذا رأيت رجلاً يقطع آلاف الأميال و كثيراً من المطارات ليصنع لحظةً جميلةً في حياتِه تبقى في ذاكرتِهِ الملكيّة لِسنين طويلة .
يذهب لجِبال الروكي و يمتطي صهوة الجواد مع المُرشد السياحي ليصطاد البايسون الكندي ، و آخر يذهب إلى ملعب الكامبنو ليحضر كلاسيكو الدُنيا ، و آخر يذهب إلى قمّة شامونيه ليستمتع بلحظات نزول الثلج ، و آخر يذهب إلى مملكة تايلند ليستمتع بعيد السونغكران في شهر أبريل و آخر يستمتع بقطف زهور التوليب و السير في بلومن روت في هولندا في شهر مايو و آخر يستمتع بالشفق القطبي الساحر في ترومسو النرويجية في أواخر شهر سبتمبر .
و آخر يرتشف فنجان قهوة قُبيل الغروب من قلب الرّبع الخالي ، و آخر عينُهُ على جبل فوجي الساحر بينما تتفتح أزهار الكرز و الساكورا .
هذه اللحظات الساحرة هي التي تصنع" روعة اللحظة" التي تغذّي الذاكرة بالسعادة و الحياة بالرغبة في الانجاز و مواصلة العطاء .
فيما يعُد بعض الناس ذلك ترفاً ، فأنا لا أعتبر ذلك إلا صناعة لحظات جميلةٍ تكون محفورة في الذاكرة تبعث الفرحة و السرور و السعادة كلّما أتاح صندوق الذكريات تسريب تلك اللحظات ليرسم الابتسامة على مُحيّى المرء .
لذلك اجمع ألبوماً من الذكريات يكون وقوداً دائماً يجلب لك الراحة و التصالح مع الذات و الاحساس بالانجاز .
أخيراً وليس آخراً ،
اعلم يارعاك الله أنّ أعظم لحظة تمر على الإنسان بلا منازع هي لحظة سماع "ادخلوها بسلامٍ آمنين " فهذه اللحظة التي تهرق لها الأوقات وتُضرب لها أكباد الإبل مشقّةً وتعباً لإرضاء رب العباد ، ويتحمّل خاطب هذه اللحظة مهراً عظيماً لايعدله مهر .
اعلم يارعاك الله أنّ أعظم لحظة تمر على الإنسان بلا منازع هي لحظة سماع "ادخلوها بسلامٍ آمنين " فهذه اللحظة التي تهرق لها الأوقات وتُضرب لها أكباد الإبل مشقّةً وتعباً لإرضاء رب العباد ، ويتحمّل خاطب هذه اللحظة مهراً عظيماً لايعدله مهر .
أبو معاذ
د.عزيز الظفيري
azizfromkuwait@hotmail.com
فعلاً لحظات وكلمات جميله محفوره بذاكره ❤❤
ردحذف