محاربة الفُسّاد
بادئَ ذي بِدءٍ عند الحديثِ عن الفساد ربّما يتم إساءة الفهم مِن قبل القارئ عن ماهيّة الفساد و كُنهِهِ ، فأحياناً يكون الأمر نِسبي التقدير أو ربما يخضع للتأويل ، مثال ذلك قول فرعون عن موسى عليه السلام " إنّي أخافُ أن يبدّل دينكم أو أنْ يُظهر في الأرض الفساد " لذلك منعاً للفهم الخاطئ أو التأويل الجائر ، فأنا ألتزم ههنا بتعريف منظمة الشفافية الدولية في تعريفها للفساد" بمؤشّر إدراك الفساد "وهو
" إساءة استغلال السّلطة المؤتمنة مِن أجل المصلحة الشخصية" و هذا التعريف ربّما يندرج تحته ما يلي :
١- رئيس دولة تضخّمت حساباته البنكية هو و أهل بيتِه من غير وجه حق ، مثال ذلك ما وُجد عند الرئيس التونسي السابق بن علي ، و ما وُجد عند رئيس الوزراء الماليزي السابق نجيب عبدالرزاق و زوجته روزما منصور من مئات الملايين و تورّطهما في عمليات غسيل الأموال التي تُنظر حالياً في المحاكم الماليزية
٢- قاضي مُتّهم بالحصول على رشاوي من أجل إبطال الأحكام و إخراج المتورّطين من قضايا مشبوهة أو تغيير نتائج الانتخابات كما حصل في القضية المشهورة للقاضي دومينيك دي مورو في ولاية بنسلفانيا الأمريكية
٣- عضو برلماني يحصل على مساعدات أو شيكات مشبوهة لتمرير قوانين فاسدة و مثال ذلك ما قاله السيّد مشعان الجبوري أن أغلب البرلمانيين العراقيين فاسدون و مُرتشون من أجل تمرير قوانين تصب في مصلحتهم الشخصية أو مصلحة أحزابهم .
٤- حكم في مباراة إذا تعمّد أن يُعطي الفوز لفريق غير مستحق و لذلك كما هو معروف يُمنع على حُكّام المباريات المشاركة في المراهنات منعاً تاماً لِسد باب الذرائع و وأد الفساد في هذا المجال
٥- مدير مؤسّسة أو إدارة أو هيئة أو رئيس دائرة أو محافظة إذا استغل منصبه لمصلحةٍ شخصيّة في عملِهِ أو التأثير على قرارٍ خارج إطار المُتاح له من أعمال .
و مثال ذلك كما هو معروف سجن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت لاتهامِه بتلقّي رشاوي على بعض المشاريع الإسكانية عندما كان رئيساً لبلديّة القدس .
عن النُّعْمانِ بنِ بَشيرٍ رضي اللَّه عنهما، عن النبيِّ ﷺ قَالَ: مَثَلُ القَائِمِ في حُدودِ اللَّه، والْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَومٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سفينةٍ، فصارَ بعضُهم أعلاهَا، وبعضُهم أسفلَها، وكانَ الذينَ في أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا في نَصيبِنا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا. فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرادُوا هَلكُوا جَمِيعًا، وإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِم نَجَوْا ونَجَوْا جَمِيعًا
مواجهة الفساد و الفُسّاد ليس خِياراً ، بل هو أمرٌ حتمي و خطير لئلّا يهلك المجتمع و تفنى عُراهُ و كي لا يصطلي الناس بِنارِهِ و لأواه و لِيُبنى البلد بعيداً عن شررِه و لظاه .
لا يمكن بحالٍ من الأحوال أن يقف العبادُ مكتوفي الأيدي و هم يرون من يعبثُ بأموالهم و يُفرّق بينهم و يطعن في كرامتهم و يهدّد أمنهم كائناً من كان و إن لم يأخذوا على يديه و يُرجعوا له رُشده فإنهم مشاركون له بالسكوت عنه
" و لولا دفعُ الله الناس بعضهم ببعضٍ لهُدّمت صوامعُ و بِيعٌ و صلواتٌ و مساجدُ يُذكر فيها اسم الله كثيراً "
فالفساد إذا زاد و عمّ و طمّ فهو مؤشّر لزوال الأمم و إفساد البلاد و العباد " و لولا دفعُ الله الناس بعضهم ببعضٍ لفسدتِ الأرض و لكنّ الله ذو فضلٍ على العالمين "
هذه الأمة عظيمة و مُكرّمة من فوقِ سبعِ سماواتٍ " كنتم خيرَ أمّةٍ أُخرجت للناس ، تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تؤمنون بالله "
ارتبطت خيريّة هذه الأمة بمدى أمرِها بالمعروف و نهيِها عن المنكر و إيمانها برسالتها و ربّها ، كلّما اقتربت من ذلك ازدادت خيريّتها و علا أمرُها ، و متى ابتعدت عن مواجهة الفساد و الأخذ على أيدي الفاسدين و الظالمين فإنها أقرب إلى القاع الذي يتّسخ من غير عناء .
الفساد يتلوّن أصحابه و يتشكّلون على حسب ما يُتاح لهم و بحسب يد الرّقيب و عصا المسؤول، و يأتون أحياناً بِلباس المُصلحين و يدّعون رغبتهم بإصلاح الأمور " إنْ أُريدُ إلا الإصلاحَ ما استطعت " " و إذا رؤوا الذين آمنوا قالوا آمنّا و إذا خلَوْا إلى شياطينهم قالوا إنّا معكم إنما نحن مُستهزئون " ، فالفاسدون هم مثل الحِرباء ، كل يوم لهم هيئة و شكل ، و مهما ادعوا الرغبة بالإصلاح فلا يجب الاستجابة لأهوائهم
والدعاوى إنْ لم يقيموا عليها....
..... بيّناتٍ أصحابها أدعياء ......
فلا يُقيم هؤلاء و لا يردعهم إلا تطبيق القانون بحزم و عدل " إنّ الله ليَزعُ بالسّلطان ما لا يزَعُ بالقرآن " ، فالوازع الأمني و الرادع القانوني هما اللذان يعدّلان سلوك الفاسدين و يُرشّدان منهجهم .
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يمكننا التّمييز بين الفاسد الحقيقي و المتّهم بالفساد من غير بيّنة ، هذا ما نحتاجه في مجتمعاتنا من وضع هيئات متخصّصة في متابعة قضايا الفساد و الفاسدين و يكون لها سند قانوني و قدرة على محاسبة المُتّهمين و تبرئة ساحة المُدّعى عليهم زوراً و بُهتانا .
و الله من وراء القصد
أبو معاذ
د.عزيز الظفيري
azizfromkuwait@hotmail.com
تعليقات
إرسال تعليق