اللقاح و الخرافة
تختلف توجهات الناس في أخذ اللقاح ضد فايروس الكوفيد بين مؤيّدٍ ومعارض . فالمؤيد يستند في وجهة نظره إلى الإيمان بالعلم والعلماء ، وأنّ أهل التخصّص من الأطباء والهيئات التمريضية ، و العلماء والباحثين هم أول من أخذ اللقاح ، وكذلك يستند إلى فوائد التطعيمات السابقة التي قضت على أمراض مثل الجدري ، والطاعون وشلل الأطفال ، ولو كان ثمّة ضرر يُراد للبشرية لما أخذه القادة والرؤساء والحُكّام ، ولكان الأولى فِعله في اللقاحات التي تُعطى للأطفال والرّضّع إن كانت هناك نيّة لسحق العنصر البشري بِزعمِهم !!
بينما يرى الطرف الآخر إمّا التريّث وعدم الاستعجال ، أو عدم أخذ التطعيم لأسباب منها استناده على بعض المقاطع المُصوّرة التي تثير الشكوك ممّن لا شأن لهم بهذه الصّنعة ، وتشكيكهم في سرعة عمل هذه اللقاحات ، أو استنادهم على بعض غير المتخصّصين من الأطباء الذين يشكّكون في مدى فاعلية التطعيم ، أو منشأ البلدان المُصنّعة للّقاح ، أو مضاعفات مثل الموت بعد بضعة سنين أو العقم .
هُنا أردت أن أستعرض بعض الحقائق العلمية عن بعض المسائل التي أثيرت حولها الشّبهات مؤخّراً ، و الذي عندما أفلس هؤلاء في صدّ الناس عن أخذ اللقاح والترويج لنظريّات المؤامرة والتي أظنّها لا تعدو أن تكون عُقداً نفسيّة وشخصيّات مضطربة ومهزوزة سلوكياً ويمثّل الشّك لها جانباً ارتياحياً ومنهجاً حياتياً ، فأقول :
١- يشارك البروتين الشوكي في جدار فايروس كوفيد تركيب جيني يحتوي جزء بسيط من التركيب الجيني لبروتين سينكتين ١ الموجود في مشيمة المرأة .
مثال على ذلك شخصان يملكان خطّين للتليفون يختلفان عن بعض إلا في عدد واحد ، فهل نقول الرقمان متطابقان ؟! لذلك فعندما يصنع الجسم مضادّات ضد البروتين الشوكي فلا يعني البتّةَ أنه يصنع مضادّات ضد بروتين المشيمة بسبب الاختلاف الكبير في التركيب الجيني بين تلك البروتينات .
٢- من المنطق والعقل ، أنه بما أن الإصابة بفايروس كورونا الذي يحتوي على التركيب الجيني الكامل للبروتينات الشوكية ، من الأولى إذا كان هناك ما يؤدّي للعقم عند النساء ، لكانت الإصابة بالفايروس سبباً لذلك وليس فقط أخذ اللقاح الذي يستهدف جزء بسيط من التركيب الجيني للبروتينات الشوكية
٣- في دراسة فايزر على اللقاح قبل اعتماده ، تم استبعاد النساء الحوامل من التجارب مبدئياً ، كانت الدراسة على ٣٧ ألف شخص ، خلال الدراسة ومتابعة من تلقى التطعيم حصُل أنّ ١٣ امرأة أصبحن حوامل ، بينما ١١ امرأة ممّن تلقّين التطعيم الوهمي حملْنَ ، ممّا يؤكد أن أخذ اللقاح لا يؤدي للعقم عند النساء .
٤- من بدأ هذه " الخُرافة " الطبّية هو الطبيب الألماني وولفغانغ وودارق ، والذي يُعرف عنه تشكيكه الدائم في الحاجة للتطعيمات فيما مضى من جوائح و فيروسات .
هو نفسه ذكر أنه لا يوجد مؤشّر حتى الآن أن تكوين الجسم للمضادات و البروتينات ضد البروتين الشوكي يؤدي إلى تكوين مضادّات ضد بروتين السينيكتين ١ في جدار المشيمة .
لكنه دعا إلى التريث في استخدام التطعيم لحين تأكيد ذلك بحثِياً .
٥- الأمر الآخر مِن الشّبهات التي لا أساس لها من صحيح العِلم هو ربما تُحدث هذه اللقاحات خللاً جينياً في الشخص الذي تُعطى له ، ولم يدرك هؤلاء أن الرّب الكريم اللطيف يضع جنوداً ليل نهار في قلب الخلية البشرية وعلى جدار النواة فلا يخترقها شيء يقول تعالى " لقد خلقنا الإنسان في أحسنِ تقويم " ويقول " إنْ كُلّ نفسٍ لمّا عليها حافِظ " فسبحانك ربي وما ألطَفك ! ، ناهيك عن كون اللقاح إمّا فايروس مُضعّف مثل الأدينوفايروس وعلى جداره غُرِس البروتين الشوكي لفايروس كوفيد ١٩ ، أو رسولٌ على هيئة حمض نووي رايبوزي والذي تم من خلاله محاكاة الحمض النووي الرايبوزي للبشر والذي يتلقى التعليمات من الحمض النووي الرايبوزي منقوص الأكسجين من قلب نواة الخلية ، وبذلك يدرك من له أدنى فهم في هذه التركيبات الحيوية أن جينات البشر في حماية تامّة من أي خلل .
٦- فيما يخص لقاح أكسفورد وما أثير مؤخّراً من أنه ربما يُحدث بعض التجلّطات ، فلا داعي للقلق ، فقد تم إيقافه بشكل مؤقت لمدة أسبوعين في الدنمارك والسويد وفرنسا وألمانيا لحين التأكد من هذه الجزئية ، وجمعية الصحة الأوروبية تقول حسب المعلومات المتوفرة فإنّ أقل من ثلاثين شخص ممّن تلقوا لقاح أكسفورد حصلت لهم تجلّطات من بين ٢٣ مليون شخص في بريطانيا و الدول الأوروربية وعلّقت على هذا الأمر أن هذي النسبة تعتبر طبيعية في مثل هذا العدد ، فيما أوضحت وزارة الصحة في الكويت أنه لم يتم رصد أي حالة من التجلّطات فيمن تلقى اللقاح .
٧- يدّعي البعض أن ما يصدّهم عن أخذ اللقاح هي السرعة التي صُنعت فيها هذه اللقاحات ، فأقول أن فريق جامعة أكسفورد اشتغل على مثل هذا النوع من اللقاح منذ أكثر من تسع سنوات عندما اجتاح فايروس كورونا بعض دول الشرق الأوسط والذي كان سببه انتقال من بعض الإبل المُصابة إلى البشر لكن سرعان ما زال ذلك الداء بفضل رب العباد ، والأمر الآخر فهذه التقنية كذلك تم استخدامها لإعداد لقاح ضد فايروس إيبولا في عام 2014 والذي راح ضحيّته أكثر من أحد عشر ألفاً في إفريقيا وسرعان ما تلاشى الفايروس ، بينما في اللقاحات الحديثة مثل فايزر وموديرنا فإن التقنية التي استخدمت كانت في المجال الطبي لأكثر من ثلاثين سنة واستخدمت لتحفيز الجسم لانتاج مضادات خاصة ضد بعض الأورام السرطانية وبعض الفيروسات وبذلك ندرك أن هذه الشبهة لا تنبني على حقائق علمية بل جهل بواقع التطور في المجال الطبي عالمياً .
٨- أمّا من يدّعي وضع شرائح متناهية الدّقة ذات أحجام نانَوِيّة ، أو ارتباط الفايروس بشبكات ال5G , فأجمل ردٍ هو قول المتنبي " لِكُلِّ داءٍ دواءٌ يُستَطبُّ بهِ ... إلا الحماقةً أعيت مَن يُداويها " و قولِه " و كم مِن عائبٍ أمراً صحيحاً ... و آفتُهُ مِن الفهمِ السقيمِ " بِتصرّف .
ما كان بالأمس خُرافة ، أصبح اليوم هباءً منثوراً ، فمئات الملايين حول العالم بدؤوا في أخذ اللقاح ولو أن ضرراً يًراد للبشرية ، لظهر ولتلقّفته منصّات التشكيك في وسائل التواصل
" بل نقذف بالحق على الباطلِ فيدمغُه فإذا هو زاهق ولكم الويلُ ممّا تصفون "
لكم الويل إذ تجعلون الناس يصدّون عن أخذ طوق النّجاة وأنتم ترونهم في بحر متلاطم الأمواج ، لكم الويل لأنكم عظّمتم الخُرافة والتفاهة ، بينما لم يؤثّر فيكم عشرات الآلاف من المصابين في العنايات المركّزة ومئات الآلاف من الوفيّات .
من يرى بعينٍ ضيّقة ويعظّم الخرافات العلمية ويظن أنه على شيء من الفهم أو المنطق أو العلم هو كمن يحاول أن يغطّي الشمس بغربال !
والله من وراء القصد ،
أبو معاذ
د. عزيز رخيّص الظفيري
azizfromkuwait@hotmail.com
تعليقات
إرسال تعليق