حمد والطائرة ضِدّان لا يجتمعان

في عام ٢٠٠٦ كان لي صديق ،  أخوه لا يركب الطائرة نهائياً وكنت أسمّيه " بس يا حمد"  ، يبرر حمد  مخاوفه بأن هناك خطر من وقوع الطائرة ويقول : هل تضمن لي إذا صعدت الطائرة أنها لا تسقط ؟  فكان جوابي بالتأكيد لا أضمن ، ثم يقول : في قمرة الطائرة هناك المئات من المفاتيح والأزرار وأتحدّاك إذا الطيّار يعرف نصفها ، فكنت أقول احتمال يكون كلامك صحيح ، لكن جوابي المبسّط هو بما أن الجهة الرسمية عندنا من المتخصصين في هيئة الطيران على علم بتفاصيل الملاحة الجوية والطائرات فأنا أثق فيهم ولا أُكلّف نفسي ما لم أؤمر بمعرفة تفاصيله ،  يقول الله تعالى " يا أيّها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تُبدَ لكم تسُؤكُم "
في رمضان تلك السنة اتفق حمد وإخوانه للذهاب للعُمرة ، فذهب أخواهُ وأبناؤهم بالطائرة ، وذهب حمد وزوجته وابنيْه وبنتَه بالسيارة .
وصل أخواه قبله واعتمروا وأفطروا وصلّوا التراويح ، ولم يصل حمد ، انقطع الاتصال به وبدؤوا يقلقون ، حتى أتاهم الخبر الصاعق أن حادثاً حصل لحمد وأسرتهُ على طريق قرية تُسمّى " ظَلم " تُوفّي على إثره حمد وزوجته وأولاده الأثنين ، بينما أصيبت ابنتهُ الوحيدة ذات الخمسة عشر ربيعاً  إصابات بالغة لكنها نجت بفضل الله وحده .
كبُرت علياء وتزوّجت وطارت بالطائرة في شهر العسل إلى ماليزيا ،  وأنجبت طفلاً أسمته " حمد " على اسمِ أبيها .
للأشياء نصيبٌ من مُسمّياتها ، فقد ظلم حمد نفسه وأهله وابنته ، وكانت نهايته في قرية " ظلم " قُبيل مكة المكرّمة بحوالي ما يربو على الثلاثمئة كيلومتر ، في المقابل نجد أخويْه من الناس الطبيعيين الذين لا يُكلّفون الأمور فوق حقيقتها ، نجدهما مستمتعين بحياتهم وأسَرَهم أطال الله عليهم هذا الحال وزادهم من فضله وأكرمهم بحُسن المآل .
من حقّ الانسان أن يكون له مخاوف وهذه طبيعة البشر لكن أن تنقلب هذه المخاوف إلى وساوس وعملٌ يترتب عليه أمورٌ تجلب لهُ المكاره وتُبعد عنه المحامد ،  فهذا مرض يسمّى مرض الشخصية البارونيّة .
ما أكثر ما نرى هذه الأيام من شخصيّات تحمل هذه الصفة من الشك والرّيبة والجدل العقيم ولِعب دور الضحية ، وأنّ أمراً دُبّر بليلٍ ، وأنّ البشرية يُرادُ لها أن تفنى وتبلى بمجموعة من اللقاحات التي أثمرها العقل البشري للعلماء والباحثين ، بعد جُهدٍ جهيد وعملٍ فريد وبعد تيسير ربّ العالمين ، وإذا أغلِقت الأبواب على هؤلاء " المُشكّكين " قالوا لك :  هل تضمن هذه اللقاحات ؟   مثل سؤال حمد عن الطائرات ؟ وما هي مكوّنات اللقاحات ، كذلك مثل سؤال حمد عن مفاتيح الطائرة وأزرارها ؟ ، حتى يقع الفأس بالرأس ، ويشرب المُرّ مِن الكأس ،  ويُصلّى عليهم أو على أحبابهم مِن حولهم ، ثم يقولون ليتنا حلّقنا في سماء العلم والعلماء وتركنا القاع للجهلة والجُهّال ، وساعتها ولاتَ حينَ مندم !!

د.عزيز رخيص الظفيري
استشاري الأمراض الباطنية في مستشفى الجهراء
azizfromkuwait@hotmail.com

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لوباتشينو والثقة المعدومة

بحّارة على نهر الفولغا

روعة اللحظة