الرحلة الآسيوية

انطلق الوفد وعلى رأسهم سمو ولي العهد الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح ممثّلاً عن سمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح حفظهما الله ورعاهما ،  لتمثيل دولة الكويت في القمّة التي جمعت دول الآسيان - التي تمثل رابطة دول جنوب شرق آسيا -  و بين دول الخليج العربي والصين ، مما يعكس اهتماماً كبيراً من القيادة السياسية في دولة الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي في إطار التعاون السياسي والاقتصادي المشترك للتعايش في عالم متعدد الأقطاب .

غادرت الطائرة الأميرية بتاريخ الخامس والعشرين من شهر أيّار مايو لعام 2025 ، من مطار الكويت متوجّهين إلى كوالالمبور ، عاصمة ماليزيا في جنوب شرق آسيا ، وبعد قرابة ثماني ساعات هبطت في مطار بونغا رايا الدولي مساءً ، حيث الأجواء الاستوائية ذات الرطوبة المتوسطة والعالية أحياناً ، لكنّنا وُفّقنا حينها أن الجو لايزال مقبولاً بدرجات حرارة الصغرى منها في أواخر العشرينات .

تميّزت الرحلة بالترتيب عالي المستوى والتنظيم الدقيق والاحترام الشديد والتعاون الفريد واللباقة في الحديث فيما بين أعضاء الوفد وحُسن المظهر والهندام والسلوك من الجميع بلا استثناء .

كان أعضاء الوفد كعقارب الساعة في دقّة المواعيد وحضور اللقاءات والفعاليات وهذه الصفات لمستها من واقع تعاملي مع الجميع وعلى قمّة الهرم فيهم سمو ولي العهد الشيخ صباح الخالد حفظه الله ورعاه .

أقمنا في فندق سينت ريجس كوالالمبور الذي تميّز بالفخامة اللائقة بمثل هذا الوفد ، عالي التمثيل ،  والجدير بالذّكر أنّ القائمين على الفندق كانوا في أبهى صورة وحُلّة ، واحترافية عالية في التعامل مع أعضاء الوفد .

انتهزت الفرصة حين خرج أعضاء الوفد لحضور القمة ، فانطلقت أنا والزميل الرائع الممرض محمد سامي الشرف لإلقاء نظرة على المدينة حيث زرنا البرجين التوأمين المشهورين في كوالالمبور " بتروناس تاورز " الذيْن يبلغ ارتفاعهما تقريباً 452 متراً ، مع العلم أنهما كانا أعلى برجين في العالم لمدة ست سنوات من عام 1998 حتى عام 2004 ، واستمتعنا بالأكل الماليزي التقليدي في مطعم ليتل بينانغ في الدور الأرضي في البرجين ، وأخص بالذّكر طبق ناسي ليماك وهو عبارة عن أرز دهني ماليزي تقليدي مع الفلفل والليمون والزنجبيل والكمّون ، وكذلك طبق آيام بيرجيك حيث الدجاج المحضّرة بالتوابل المحلية مع كريمة جوز الهند ، وكذلك طبق سمكة الماكريل الهندية اللذيذة ، والربيان والقريدس المشوي اللذيذ . 

من المحطات الأخرى التي تم زيارتها منتزه KLCC PARK 
حيث الماء والأشجار والطيور والزائرين من مختلف الأعراق والجنسيات ، واستطعنا أخذ مجموعة من الصور التذكارية التي لا تقل جمالاً عن روعة البتروناس تاورز .


ومن المقاهي المميزة التي تغشّيناها كان مقهى باشا المغربي في الدور الأرضي من البرجين التوأمين واستمتعت جداً بارتشاف كوبين من قهوة الكوباكابانا والقهوة اليمنية ، والتلذذ بآيسكريم الفانيلا والمانغو والشوكولاته .
أمضى الوفد ثلاثة أيام في كوالالمبور الماليزية وانتهى من المشاركة بقمّة الآسيان ودول الخليج العربي والصين ، التي تضمّنت مجموعة من التفاهمات السياسية والاقتصادية مما يعزز دور الكويت ودول الخليج الرائد في العالم .

انتقلنا بعد ذلك إلى العاصمة اليابانية طوكيو حيث وطِئتها قدماي لأول مرة في حياتي في مطار هانيدا الدولي بتاريخ الثامن والعشرين من شهر مايو أيار لعام 2025 بعد رحلةٍ تجاوزت تقريباً السبعة ساعات من كوالالمبور إلى طوكيو ، وكان الجو عند وصولنا ذلك المساء لطيفاً بارداً ، ثم انتقلنا إلى محل إقامتنا في فندق بيننسولا ( والذي يعني في اللغة العربية " شبه الجزيرة" )، وكان الفندق من الطراز الفاخر في قلب العاصمة طوكيو ،  والاطلالة الرائعة على قصر كوكيو ، حيث مقر إقامة إمبراطور اليابان  الحالي السيد ناروهيتو الذي اعتلى العرش في عام 2019 بعد تنازل والده الإمبراطور أكيهيتو .


يُعد الشعب الياباني من الشعوب الآسيوية ذات الطابع العشائري القبلي ، والذي في غالبه يعتقد بديانة الشنتو وتُعد البوذية ثاني معتقد من حيث الانتشار في اليابان ، والإسلام أقل الأديان انتشاراً ، فالمسلمون لا يتجاوزون مئتي ألف على أعلى تقدير .
وفيما يخص نمط الحكم في اليابان فعبر القرون المتتابعة انتقل الحكم الشوغوني ذو الطابع العسكري الإقطاعي الذي همّش دور الإمبراطور لمئات السنين ، انتقل في أواخر القرن الثامن عشر سياسياً لتنضوي المجاميع السياسية تحت راية الإمبراطور ، وقد أثبت اليابانيون ولاؤهم لفكرة الإمبراطورية ليكونوا وحدةً واحدةً و أرخصوا دماءهم في سبيلها ،  ولا دليل على ذلك أعظم من تضحيات طيّاري الكاميكازي الذين بذلوا أرواحهم نسوراً هابطةً كالصاعقة من السماء إلى قلب حاملات الطائرات الأميركية افتداءً للإمبراطور و " مشرق الشمس " وهو ما تعنيه كلمة " يابان " بلغتِهم المحلية ، فكان اليابانيون بلاشك ذوي مخالب شرسة في كثير من الأحيان في تاريخهم الطويل ، ويدل على ذلك غزواتهم في بداية القرن التاسع عشر ضدّ الامبراطورية الروسية واحتلالهم لمنشوريا وأجزاء واسعة من الصين ، وماليزيا ، وسنغافورة ، وبورما وتايلند وحربهم مع كوريا ، واعتداءاتهم على ميناء بيرل هاربر الأمريكي وخوضهم للحربين العالميتين والتي انتهى بهم مطافهما إلى ما حصل في هيروشيما وناغازاكي من دمار ناتجٍ عن إلقاء القنبلتين النوويتين عليهما من قبل الجيش الأمريكي واستسلام الإمبراطور هيروهيتو في الخامس عشر من أغسطس عام 1945 ميلادية .


انتقل الوفد صباحاً لمقابلة الامبراطور وإجراء بعض المحادثات ذات الشأن المشترك ، فانتهزتُ هذه الفرصة وخرجت في جولةٍ إلى قلب طوكيو النابض في الحياة حيث تقاطع شيبويا الشهير والذي يتداخل به المشاةُ كأسنان التّرس والذي يمر خلاله ما يقارت الألفين شخص في دقيقة أو دقيقتين على أكثر تقدير ، فظفرنا بتجربة تسوّق فريدة في يونيكلو القريب من تمثال الكلب الشهير " هاتشيكو " وكانت بحقٍ وحقيقة لحظات لا تنسى اختتمناها ببعضٍ من شرائح الدوناتس اللذيذة من مخبز آي أم دونات 
 المطل على شارع كوم-شيبويا"" I'm Donut " .


وبعد قضاء يومين في طوكيو ، انتقل الوفد إلى مدينة أوساكا التي تبعد تقريباً أكثر من 400 كم عن طوكيو ، حيث هبطت طائرتنا في مطار ايتامي كانساي ، ثم انتقلنا إلى محلّ إقامتنا في فندق فورسيزونز أوساكا حيث الفخامة التي تليق بمثل هذا الوفد الرفيع ، وبعد تقريباً سويعتين توجه جزء من الوفد وعلى رأسهم سمو ولي العهد الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح إلى إكسبو أوساكا لافتتاح معرض دولة الكويت الذي كان من أفضل المعارض بشهادة اليابانيين والأعداد المهولة التي شهِدتها في صفوف الانتظار لدخول معرض الكويت الذي خطف الأنظار بجودة الترتيب والمادّة المعروضة التي كانت تمثّل تاريخ الكويت وطريقة العيش فيها سابقاً وكيف تطوّرت ملامحها الحديثة وصناعاتها العديدة وأخصّ بالذكر الصناعات النفطية التي بلاشك عامل مهم في ربطنا اقتصادياً وتجارياً مع اليابان والصين ودول آسيا . ومن المفارقات اللطيفة أنّ صفوف الانتظار لمعاينة معرض الكويت كانت على حسب تقديري في لحظة وصولنا أكثر بثلاثة أضعاف من صفوف الانتظار لمعرض جمهورية الصين المحاذي لمعرض الكويت ، مع العلم أن المواطنين في الكويت مليون ونصف ، والمواطنين في الصين مليار ونصف ، فكم أنت عظيم ومبدع يا شباب الكويت ! ، وفي اليوم التالي واجهت وزير الإعلام الدكتور الشاب عبدالرحمن المطيري في مقر إقامة سمو ولي العهد ودار بيننا حديثٌ جميل فيما يخص معرض الكويت في إكسبو أوساكا ، وهو بلاشك يستحق الشكر والثناء على هذا الابداع والاتقان ورفع اسم الكويت عالياً بين زائري الإكسبو .


اختتمنا هذه الرحلة الآسيوية التي استمرت مدّة أسبوع ، والتي كانت مليئة بالأحداث التي أرجو من الله جل جلاله أن تعزّز موقع الكويت دولةً رائدةً في عالم السياسة والاقتصاد ، وبعد رحلةٍ بالطائرة الأميرية لاثني عشرة ساعة من مطار كانساي الدولي في أوساكا إلى قلب الكويت مدينة الصداقة والسلام ، وجوهرة الخليج التي سيعود مجدها ناصعاً برّاقاً ، حطّت رِحالنا في الواحد والثلاثين من مايو أيّار لعام 2025 , وهنا انتهى فصلٌ جميل من رحلات السائح الكويتي التي عانقت مشرق الشمس في أصقاع الأرض البعيدة .


د.عزيز الظفيري

أبو معاذ

( تم الابتداء بها في طريق العودة من أوساكا في اليابان بالطائرة إلى الكويت)



 

تعليقات

  1. دائماً مبدع ماشاءالله في شتى المجالات دمت بخير اخي وحبيبي ابا معاذ.. اخيك/ ابو بندر ابن الخالة♥️♥️

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لوباتشينو والثقة المعدومة

بحّارة على نهر الفولغا

روعة اللحظة